استراتيجية التعلّم السريع
تعد أساليب التعلم السريع إحدى الثورات العملية في مجال التعلم والتعليم إذ يصنف هذا النوع من أنواع التعلم الاجتماعي المبني على الترابط والتعاون على الألعاب والممارسات التعاونية بعيدًا عن أساليب التعلم التقليدية التي لا تسمح للمتعلم بإبداء رأيه وأفكاره, ويشترط في نجاح هذا النوع من التعلم أن تتوفر بيئة غنية بالممارسات والتجارب المتنوعة حتى يستطيع كل متعلم بتوسيع أفاقه ويكتشف قدراته الداخلية ويتعلم الواجبات بسهولة وسرعة كبيرة, وبذلك فإن عملية التعلم السريع تركز على مدى تفاعل المتعلم وانشغاله بالمادة العلمية من خلال عملية اجتماعية تعاونية مليئة بالدعم والتوجيه من كل المصادر المحيطة والمتوفرة حوله كما أنه يوفر بيئة تعلم ملهمة و محاكية للواقع.
مفهوم التعلم السريع
مهما تكن المصطلحات المستعملة للتعلم فإن مبادئ التعلم السريع تجسد العديد من الأنظمة المختلفة ولكن المترابطة داخليا في نفس الوقت , مما يجعل من الصعب تعريف التعلم السريع, لأنه بدلا من أن يكون معرفة صغيرة محددة اصبح مجالا ديناميكيا واسع النطاق ناتجًا عن الأبحاث التي أجريت في مجالات متنوعة مثل (علم النفس – المجال الإدراكي – العلوم والاتصالات والعلوم الأخرى) كما أنه يطبق مبادئ وعلى المواد المتنوعة مثل (المسرح ورواية القصة والتعلم والتدريس).
كيف ظهر التعلم السريع
يمكن القول أن الثورة الحقيقية للتعلم السريع بزغت في النصف الثاني من القرن العشرين، بعد التجارب التي حصلت خلال الخمسين سنة التي سبقتها، ومن أهم تلك التجارب ظهور كتاب (التعلم الخارق) عام 1970م لعالم النفس البلغاري جورجي لوزانوف، وقيام مجموعة من العاملين في مجال التعليم بتأسيس ما سمي بجمعية التعليم والتعلم المتسارع (SALT)، والتي بدأت بعقد مؤتمرات سنوية في الولايات المتحدة الأمريكية جذبت إليها كثيرا من المهتمين، وقد بلغ عمر هذه الجمعية أكثر من ثلاثين سنة، وتم تغيير اسمها إلى التحالف الدولي للتعلم (IAL)، وهناك أيضا جمعية أخرى مشابهة لها في بريطانيا هي جمعية التعلم المؤثر الفعال (SEAL)، فضلًا عن الجمعية الألمانية للتعلم التجريبي (DSGL)، وهناك أيضا بعض الحركات التي أدى ظهورها إلى تطوير التعلم وظهور نماذج تعليمية و نظريات تربوية و تدريبية جديدة.
إن التعلّم السريع هو أحدث ما توصل إليه البحث الحديث في عالم التعليم اليوم حيث أنه:
- يعتمد على أحدث ما توصل إليه العلم في مجال دراسة الدماغ في علاقته مع ميكانيزمات التعلم.
- يمتلك القدرة على توظيف أحدث الوسائل التكنولوجية والبسيطة كذلك.
- منفتح ومرن.
- يضمن مشاركة المتعلمين الفعالة في العملية التعليمية.
- ينسجم مع جميع الأساليب التعليمية.
- يضمن الحيوية و الطابع الإنساني لعملية التعلم.
- يسعى لجعل التعلم ممتعا.
- يلتزم بإحراز النتائج الإيجابية.
لا يؤسس التعلم السريع أساليب جامدة، بل يترك المجال واسعا للمرونة وفقا للمؤسسة التي يتم فيها التعلم، والمادة التي يتم تعليمها، والمتعلمين أنفسهم. لذلك فإن كثيرا من المدرسين حول العالم تزداد قناعتهم بفوائد التعلم السريع لما له من مزايا عديده نذكر منها:
- تصميم البرامج التعليمية بشكل أسرع.
- تحسين التعلم القابل للقياس.
- تأهيل متعلمين أكثر إبداعا وإنتاجا.
- توفير الوقت والموارد على المؤسسات التعليمية.
المبادئ التي يقوم عليها التعلم السريع
يقوم التعلم السريع على عدة مبادئ منها:
1) البيئة الإيجابية:
وجود البيئة المريحة والمحفزة في وقت واحد يساعد الطالب على أن يتعلم بشكل أفضل وأسرع، لأن إحساسه بالكمال والأمان والاهتمام والمتعة في آن واحد هو شيء أساسي في تحسين عملية التعلم.
2) المشاركة الفعالة من قبل المتعلم:
من أهم المبادئ التي يجب على المتعلم أن يعيها هي كون التعلم ليس رياضة نشاهدها بل هي رياضة نمارسها، فمن خلال ممارسة عملية التعلم وتحمل المسؤولية بالاعتماد على النفس في ذلك، يتم التعلم بشكل أسرع وأفضل؛ لأن المتعلمين يتعلمون بشكل أكثر فعالية عندما يشتركون فعليا في العملية التعلمية. فسابقا، كانت المعرفة شيئا يكتسبه المتعلم بشكل سلبي، ومع التطور العلمي وبروز نظريات جديدة ساعدت على فهم أشمل وأوسع للعمليات التي يقوم بها الدماغ، تم الوصول إلى أن المعرفة هي ما يخلقه المتعلم بشكل فعال، لذلك فإن التعلم السريع يركز على المشاركة النشطة للمتعلمين وليس على المحاضرات والعروض السلبية فقط.
3) التعاون بين المتعلمين:
البيئة التعاونية توفر تعلما أفضل للأفراد، لأن التعلم الاجتماعي يعدّ من أفضل أنواع التعلم, فمن خلاله تتم عمليات كثيرة، مثل تعلم الأقران والتعلم التبادلي، والتعلم التعاوني. ففي السابق، كان التعلم التقليدي يعتمد على التنافس بين المتعلمين، بينما التعلم السريع يعتمد على التعاون فيما بينهم.
4) تنويع أساليب التعلم:
من المعروف أن المتعلمين يتعلمون بشكل أفضل عندما يستعملون كافة حواسهم، ولا يتم ذلك إلا من خلال توفر الخيارات الواسعة من أساليب و أدوات لأن؛ كل متعلم لديه طريقته المفضلة التي من خلالها يستمتع بعملية التعلم، فالبرنامج التعليمي يجب أن يكون مائدة مفتوحة و متنوعة وليس طبقا موحدا يقدم لجميع المتعلمين على حد سواء.
5) التعلم في بيئة حقيقة:
يتعلم المتعلمون في البيئات التي تقدم لهم تجربة حقيقية و ملموسة، أكثر من تلك التي تقدم لهم المفاهيم والمهارات بشكل تجريدي، لأن ذلك يصعب عليهم عملية الفهم والتطبيق والاحتفاظ بالتعليمات. فبيئات التعلم المثالية توفر التغذية الراجعة والتفاعل و إمكانية ممارسة التعلم و تطويره في جميع المراحل.
وبذلك يمكن تلخيص المبادئ الأساسية للتعلم السريع في النقاط الآتية:
- يعتمد على العقل والجسد كليهما.
- التعلم هو عملية خلق للمعرفة وليس استهلاكا لها.
- التعاون يساعد في التعلم.
- يحدث التعلم على مستويات عدة في الوقت ذاته.
- يأتي التعلم من ممارسة المادة عمليا.
- شحن المشاعر الايجابية تجاه التعلم.
- يقوم الدماغ بتخزين المعلومات آنيا وأوتوماتيكيا.
لذلك فالتعلم السريع يعتمد فلسفة متكاملة تربط الحياة بعملية التعلم؛ لأنه يعيد الطابع الإنساني لهذه الأخيرة، باعتبار أن المتعلم يستطيع من خلال هذا النوع من التعلم ممارسة تعليماته بشكل مطابق للحياة اليومية العادية. فالإنسان الذي يتعامل مع التعلم السريع كنمط حياة يتحول من وعاء يجب ملؤه، إلى نار تنتظر من يوقدها، فيتحول التعلم من عملية تلقين وصقل الى متعة وتغذية للعقل و الروح.
فكثير من البرامج التعليمية تهمل جانب المتعة أثناء التعلم، رغم أن المتعة تعدّ هي العامل الأساسي الذي يمكن من خلاله تحديد نوعية وجودة نتائج العملية التعليمية، فإكساب المتعلمين الشعور بالمتعة في أثناء عملية التعلم إذن أضحت من أساسيات التعلم السريع.
مراحل التعلم السريع
أولًا : مرحلة التحضير:
تعني مرحلة التحضير بإثارة اهتمام المتعلمين وزيادة دافعيتهم وضعهم في الحالة المثلى للتعلم, وإنّ الهدف من مرحلة التحضير هو استشارتهم وإعطائهم مشاعر إيجابية نحو المهمة التعليمية وإزالة العوائق أمام العملية التعليمية كإحساس المتعلم بالفشل والملل وعدم الفائدة من الموضوع المطروح. وتتضمن مرحلة التحضير مجموعة من المكونات الأساسية منها:
- الإيحاءات الإيجابية.
- البيئة المادية الإيجابية.
- تحديد الاهداف والمنافع العائدة على المتعلم.
- تهيئة الأدوات المهمة.
- البيئة الاجتماعية الإيحائية.
لقد تم التطرق للنقطتين الأولى والثانية وشرحهما بصورة مفصلة سابقًا, وسيتم شرح النقاط الثلاث وكما يلي :
1) تحديد الأهداف والمنافع العائدة على المتعلم :
يحتاج المتعلم على فهم الهدف من عملية التعلم وما هو السبب الرئيس لتعلم المهمة المطلوبة, لذا يجب على المعلم أو المدرب إعطاء صورة واضحة عما سيتعلمونه وربطه بأهداف ذات معنى بالنسبة لهم, إذ أن دماغ الإنسان مصمم للسعي وراء الأشياء ذات المعنى ولا يستطيع أن يتعلم معلومات مفصلة وخاصة إذا كانت خالية من أي جهة أو معنى, وكلما كانت المعلومات شخصية ومتعلقة بالمتعلم فسوف يشعر بمدى عمقها وأهميتها له, كما أن من الضروري أن يقوم المعلم بشرح المنافع التي ستعود على المتعلم, إذ يتحسن التعلم بشكل كبير منذ بداية الوحدة التعليمية إذا كان لدى المتعلم معرفة مسبقة بموضوع ما.
2) تهيئة أدوات المهمة
إن التعرض المسبق للمعلومات يجعل المتعلم يتعلم بشكل أسرع, فالدماغ لديه القدرة على وضع الأفكار في منطقة الانتظار, بحيث يمكن أن يصل إليها بشكل سريع فإذا بقيت المعلومة دون استعمال ولم يتم الرجوع إليها لفترة طويلة فسوف تبقى عشوائية وغير متصلة, ولكن إن تم عرض المعلومة مرة أخرى فسوف تكون عملية الفهم استخراج المعنى سريعة وذكر العديد من العلماء حول التجارب التي طبقوها بزيادة معدل التعلم والتذكر عندما يتم تقديم الموضوع قبل تعرض المتعلمين للمهمة التعليمية الجديدة.
ومن الأدوات المهمة التي يجب تهيئتها للمتعلم هي :
- تصفح كتاب المهمة الجديدة (التعرف على مفردات الواجب الجديد)
- عرض مقطع فيديو عن المهمة الجديدة.
- النقاش والحوار بين المتعلمين على المهمة التعليمية.
- تصميم خرائط عقلية المفردات المهمة الجديدة.
- عرض شرائح خاصة بالموضوع.
- أن يجمع المتعلمون أفكارًا عن المهمة المتعلمة.
- توفير صور ملونة وخرائط عن المهمة الجديدة.
3) بيئة اجتماعية إيجابية:
من ضروريات العملية التعليمية وما يقع على عاتق المعلم هو تكوين بيئة تعاونية منذ اللحظة الأولى لتعلم فإنها تساعد من تخفيف الضغط النفسي على المتعلمين و تحقيق استفادة كبيرة لطاقاتهم العقلية, وقد أثبتت العديد من الدراسات التي أجريت في مجال التعلم المعتمد على الحاسوب بأنه نتائج التعليم كانت أفضل بكثير للجميع عندما طلب من المتعلمين أن يشاركوا في العمل على حاسبة واحدة, حيث تم تصميم المهمة التعليمية من خلال النقاش والمشاركة الفعالة للمجموعة المتعاونة.
ذكر الكثير من العلماء إن أكبر تأثير للمناخ العام (مناخ بيئة التعلم) فجو الدرس الذي تتوفر فيه البهجة يساعد المتعلم على فرز مواد تسبب الشعور بالسعادة, وهذا الشعور يعني أن المتعلم يتعلم بصورة أفضل مما ذكره سابقا عن مرحلة التحضير فهي تعد الخطوة الرئيسة والمهمة من مراحل التعلم السريع فهي أشبه بتهيئة ساحة اللعب والكرات و أدوات التدريب و توضيح الهدف من الوحدة التعليمية.
ثانيًا : مرحلة العرض :
تعمل هذه المرحلة على مساعدة المتعلمين في الاطلاع على المعلومات الأساسية وضرورية المهمة التعليمية و تهدف إلى إعطاء فرصة للمتعلمين لمواجهة المادة التعليمية الجديدة بشكل ممتع مترابط إذ يمكن القيام بذلك من خلال العروض تفاعلية ومواد توضيحية مثيرة للاهتمام بالألوان ومشاريع تعتمد على العمل في مجموعات من شخصين أو كفريق بالإضافة إلى تبادل الأدوار ووسائل أخرى القصص الحركية أو استعمال الوسائل التعليمية البصرية الإلكترونية أو عمل جداول او خرائط ذهنية لتصوير المعلومات.
إن هذه المرحلة بالحقيقة هي مرحلة اكتساب المعلومات و مرحلة بناء الخبرة الجديدة وذلك من خلال الممارسة الفعلية والعملية في الأنشطة المختلفة.
ثالثا : مرحلة التمرين :
تمثل مرحلة التمرين أهم المراحل التعلم السريع وذلك لان الممارسة والتكرار يكونان شرطا رئيسا لحدوث التعلم, وتشكل هذه المرحلة نسبة كبيرة تصل الى 70 % من مجمل العملية التعليمية, وترتبط هذه المرحلة ارتباطا وثيقا بالمرحلة السابقة (مرحلة العرض) حيث تشكلان حلقة مع بعضهما البعض, تتيح هذه المرحلة فرصة للمتعلمين لإظهار مدى فهمهم واستيعابهم للمهمة التعليمية.
وذلك من خلال اداء التمارين المتنوعة وبأساليب مختلفة, حيث ان هذه التمارين تركز على المتعلمين وتهدف الى مساعدتهم على استيعاب المواد الجديدة واتاحة الفرصة للترابط مع معرفتهم السابقة وتكوين معرفة جديدة, وتؤدي التغذية الراجعة عملًا كبيرًا و فعالًا في تكوين هذه المعرفة عن طريق التوجيه والتصحيح المستمر للمتعلمين للوصول الى الاداء الجيد, ونستدل من ذلك ان هذه المرحلة يتم فيها تطبيق العديد من الانشطة والتمارين المتنوعة والممتعة والتي تساعد على تطوير المهارات الجديدة وتجعل المتعلمين أكثر نشاطا وتفاعلا وايجابية في عملية التعلم.
رابعا : مرحلة الاداء
إن هذه المرحلة تعطي فرصة للمتعلم للتفكير في ما تعلمه وكيف تعلمه وكيف يستطيع ان يطبق المعرفة في موقف تعليمي جديد وفي مكان اخر ومختلف, ومثال على ذلك هو كيفية الاستفادة من الامثلة التي يعطيها المعلم والاستفادة منها خارج الصف, كما يمكن للمعلم ان يقدم نظرة عامة لما سياتي في الدروس القادمة, ويمكن القيام بذلك من خلال مجموعة من النشاطات العلمية ووضع افكار الدرس في خريطة عقلية, فضلًا عن المنافسات والاختبارات التحصيلية والبدنية والذهنية.
من ضروريات التعلم السريع أن يقوم المعلم بمجموعة من الواجبات التي تساعد على نجاح المراحل الاربع
وهي كالآتي:
- ايجاد علاقات جيدة مع المتعلمين من خلال الاهتمام بهم ومعرفة اسمائهم واحترامهم واحترام آرائهم وتشجيعهم.
- ان يمتلك المعلم توقعات ايجابية نحو المتعلمين, كما يجب عليه استعمال تقنيات واستراتيجيات تقنية متنوعة تجعل المتعلم أكثر اندفاعا وارتياحا في الوحدة التعليمية.
- استذكار واسترجاع المعلومات في الدروس السابقة, اما بشكل فردي او على شكل مجموعات صغيرة, مع الاهتمام بتوقعات المتعلمين على المهمة التعليمية الجديدة.
- يجب ان تتخلل الوحدات التعليمية فترات راحة بينية تعطى للمتعلمين للابتعاد عن الملل والضجر.
- مراعاة استعمال انماط التعلم المختلفة (سمعي – بصري – حركي – فكري) لأجل ايصال المعلومة بشكل سهل وسريع للمتعلم.
التنبيهات/التعقيبات